سيناريوهات الدمار التي حذرت منها الجزائر تتجسد خطوة بخطوة في مالي
سيناريوهات الدمار التي حذرت منها الجزائر تتجسد خطوة بخطوة في مالي
لا طالما سعت الجزائر عبر وسائلها الدبلوماسية إلى المساهمة في إحلال السلم والاستقرار في دولة مالي الجارة، ها هي الأحداث تأخذ أبعادا خطيرة بعد قرار المجلس العسكري الانقلابي الحاكم انهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة الموقع بالجزائر سنة 2015.
ومنذ خريف 2023، يقود الجيش المالي بدعم من مجموعة المرتزقة “فاغنر” حملة عسكرية تهدف إلى السيطرة على المناطق الخاضعة لنفوذ المعارضة الأزوادية، وازدادت العمليات العسكرية حدة مؤخراـ حيث تشهد منطقة شمال مالي معارك طاحنة تكبدت خلالها ميليشيات فاغنر الروسية وجنود ماليون خسائر كبيرة بمنطقة تينزاوتين بعد مواجهات مع الحركات الأزوادية المسلحة، المعروفة باسم “الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي”.
واعترفت مليشيات فاغنر في بيان -على تليغرام- بأن أفرادها قاتلوا إلى جانب الجنود الماليين –خلال الفترة الممتدة من 22 إلى 27 جويلية- وقد كانوا بالقرب من بلدة “تينزاوتين” بقيادة سيرغي شيفتشينكو المعروف باسم “بوند”، ثم تعرضوا لهجوم بنيران كثيفة أطلقها مسلحون على قوات فاغنر والجيش المالي، وأسفر الهجوم عن مقتل شيفتشينكو وأغلب أفراد الميليشيا.
وتثبت الوقائع الجارية وارتفاع حدة الصراع بالمنطقة الواقعة بالقرب من الحدود الجزائرية، إحدى نتائج التخلي عن اتفاق الجزائر، وما تلاه من خطاب عدائي ضد مبادرات الوساطة الجزائرية المدعومة دوليا.
فلطالما التزمت الجزائر بدعوتها جميع الأطراف المالية إلى تجديد التزامها بالاتفاق وذلك انطلاقا من قناعتها الراسخة بأن هذا الاتفاق يظل “الإطار الأنسب” لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد، وكذا الحفاظ على سيادة دولة مالي، لكن قادة الانقلاب قرروا السير وراء أوهام القوة من خلال التمسك بـ”الخيار العسكري”، الذي تعتبره الجزائر “التهديد الأول لوحدة الأراضي المالية”.
وحتى بعد قرار الانسحاب من اتفاق الجزائر، جددت الجزائر مخاطبة النظام العسكري في مالي برسالة واضحة بأن الجزائر ما تزال تدرك أهمية التعاون والتنسيق مع الجارة والأشقاء في مالي والمنصوص عليه في اتفاق السلم والمصالحة، خاصة وأنه يصب بالدرجة الأولى في مصلحة الشعب المالي.
كما تضمنت رسائل الخارجية الجزائرية ان الجزائر تؤمن بأن الإستقرار في مالي هو من استقرارها واستقرار المنطقة، وأن الجزائر أرادت إخلاء مسؤوليتها وإبراء الذمة أمام الشعب المالي وأمام شعوب منطقة الساحل والصحراء، وكانت أيضا رسالة لكل الأطراف داخل المحيط الإقليمي لدولة مالي، بما فيها الأمم المتحدة بأنها تعمل لحد الساعة على إقناع المجلس العسكري الانتقالي في باماكو بضرورة العودة إلى الحكمة الخادمة للشعب المالي أولا والخادمة للدولة وسيادة دولة مالي.
وللتذكير، كان المجتمع الدولي يدعم الجزائر في دورها الريادي، بصفتها رئيسة الوساطة الدولية، إلى جانب التزامها المستمر بدعم الماليين في نهج استعادة الاستقرار ببلدهم، وقد تأكدت على الأرض “محورية اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر (2015)، لكن قادة الانقلاب في مالي انقلبوا على الاتفاق وهكذا أهدروا الفرصة في تحقيق السلام في هذا البلد”.
وقالت الجزائر، إثر ذلك، إنه “على الشعب المالي الشقيق أن يدرك بأن الخيار العسكري هو التهديد الأول لوحدة وسلامة الأراضي المالية وأن هذا الخيار يحمل بين طياته بذور حرب أهلية في مالي وأنه يعقد المصالحة الوطنية عوض تسهيلها كما يشكل تهديدا فعليا للأمن والاستقرار الإقليميين”.
ويؤكد الموقف الجزائري أن دولة مالي “تحتاج دائما إلى الأمن والمصالحة ولا تحتاج بأي شكل من الأشكال، حلولا قد سبق وتجرع منها (الشعب المالي) دمارا وتمزقا في الماضي”، في مشهد يسمح بـ”تكرار أخطاء الماضي” وهو ما “يعني إطالة أمد مأساة وأحزان دولة مالي وشعبها الشقيق”.
وفي خضم الهزائم المعتبرة التي يتلقاها الجيش المالي، لا يستبعد مراقبون أن يطلق النظام العسكري الحاكم في مالي مبادرة في المرحلة القادمة وبرعاية وشراكة من دول جديدة وقد تكون بعيدة عن مظلة الأمم المتحدة يكون فيها مصير الشعب المالي وثرواته ومقدراته محل مساومات، اولا بضمان استمرارية وبقاء النظام العسكري الإنتقالي، وثانيا استنزاف موارد وثروات دولة مالي وشعبها.
إرسال التعليق